الجائحة هل ستجتاح الصفقة أيضا؟

نشر بتاريخ

عرت كورونا أوضاعا بئيسة كانت معروفة عند الجميع، واثبتت ما كانت كتابات نخبة هامة من المثقفين من شتي الأطياف تنبه اليه من خطورة انجراف متسارع للعالم الرأسمالي في تطبيق سياسات اكثر جشاعة واستبدادا، أدت ، سيما في العقدين الأخيرين،الي زيادة الفوارق الاجتماعية وتضاعف الفقراء ،وتدمير للبيئة ، وتكالب في محاربة الأنظمة الوطنية بشتي الوسائل ، بما فيها توظيف الإرهاب لانهاكها وافشال مسيرة نماءها.

كما عرت اهتراء أنظمة غربية ذات اقتصاديات قوية، كفرنسا وإيطاليا وبريطانيا ، التي ترنحت سريعا أمام جرثومة “كورونا”بسبب عدم إيلاء العناية الطبية الكافية بمواطنيها.

في هذا السياق تتموضع الأنباء التي تقاطرت اليوم من مختلف وسائل الإعلام التي أعلنت عن تبوء الولايات المتحدة الأمريكية الصدارة في عدد المصابين بفيروس “كورونا” متجاوزة بذلك الصين وإيطاليا، وانعكست هذه التطورات علي عاصمة المال والأعمال ، نيويورك، الي حد يفوق ما تعرضت له في سبتمبر 2001 فأضحت فارغة الا من رجال الامن، كما أضحي خروج المواطن الأمريكي من منزله ترفا، وتهاوت أسواق المال بالبورصة الي حد مريع،وتجاوز عدد العمال الذين قيدوا أنفسهم كمحتاجين للدعم أمام دوائر الشغل ما ينيف عن ثلاثة ملايين عامل تجمع كبريات الصحف الأمريكية علي ان هذه النتائج المهولة ،التي شلت تمامًا الحركة الاقتصادية لدرجة ان بعض خبراء الاقتصاد حذروا من توقف الاقتصاد في الأسابيع القادمة في حالة استمرار الأوضاع القاتمة الحالية ، يتحملها الرئيس ترامب وسياساته الفاشلة المتكررة( ايران،كوريا الشمالية،فنزويلا،،التحامه مع نتنياهو وتبنيه اطماعه،،)

فالرئيس لم يأخذ علي محمل الجد التحذيرات التي وجهتها له اجهزة الاستخبارات والاختصاصيين في مجالات الصحة والأوبئة،وهو ما وردفي تقرير كتبه ” ما يكازينكو”بمجلة فورين بوليسي”ونشرته البارحة صحيفة القدس العربي، بل وذهب الي حدتوجيه اتهام لإدارة ترامب بكونها جرت كارثة مفاجئة للشعب الأمريكي، محملًا إياها كل المسؤولية ثم يضيف ان الرئيس لا يتردد في ابعاد كل مسؤول لم يردد تصريحاته مثل ببغاء،ليخلص من ذلك الي نتيجة حاسمة مفادها ان ترامب يفتقر الي كفاءات قيادية.

.ونشرت “واشنطن بوست” بدورها تصريحا لمسؤول أمريكي لم تكشف عن هويته جاء فيه ” ربما لم يتوقع ترامب هذا، الا ان الكثير من المسؤولين كانوا علي علم بالوضع، لكنهم لم يستطيعوا اخباره رغم ان الإشارة التي كان يرسلها النظام كانت حمراء” ، وتضيف الصحيفة، “لان الرئيس لن يغير رأيه القائل ان الفيروس لا يمثل تهديدا للولايات المتحدة مهما قال له المسؤولون في الاستخبارات والصحة، ولذلك فإن امريكا ستدفع الثمن ، ولعقود قادمة.” علمًا ان العلماء يتوقعون انحسار انتشار الوباء ابتداءا من منتصف الشهر القادم في ارجاء أوروبا لينتقل الي الولايات المتحدة في الأيام والأسابيع القادمة، مع توقع حصيلة ثقيلة من الضحايا ، بصرف النظر عن خطورة المضاعفات الاقتصادية ، اذ يكفي في هذا المجال ملاحظة ان نسبة البطالة ستبلغ حدًا قياسيًا قد يتجاوز 10,8 % بدل 3,5% التي كانت مسجلة قبل ظهور الفيروس , علي حد ما ورد في جريدة لوموند (عدد اليوم 28مارس). كما نحت “الواشنطون بوست” في افتتاحية لها نشرتها منذ أربعة أيام الي القول ان الوباء سيتسبب في إلحاق أضرار جسيمة بالحياة والاقتصاد الأمريكيين، وقد يترتب عنه تراجع القيادة الأمريكية للعالم ، وهو استنتاج يؤيده ما حصل البارحة من خلال الاتصال الذي بادر اليه الرئيس الأمريكي عبر اتصاله الهاتفي مع الرئيس الصيني الذي عرض عليه مساعدة طبية ، مبرهنا عن سمو انساني واضح ومتفوق، في الوقت الذي رفض فيه ترامب رفع الحصار الظالم الذي فرضه علي ايران ، من منطلق التوحش، بل وأزيد من هذا، ومن منطلق غير اخلاقي، قام بفرض عقوبات إضافية علي ايران للاستسلام الي ضغوطه مستغلا ببشاعة الظروف المتردية التي يعيشها المواطنون هناك من جراءجائحة كرونا.

يبدو واضحًا صحة تحليلات “واشنطون بوست” الموما اليها ،اذ ان كل الأحداث ، سيما الأخيرة منها،تبرهن علي نجاح الصين ،بشكل لافت ، من خلال مواجهتها الحازمة مع الجائحة ، واستغلت بنباهة اخطاء ترامب وسياساته الرعناء، وغطرسة القوة، بتعبير فولبرايت، وسيشهد العالم قريبًا كسوف الولايات المتحدة كقوة عظمي ،بفضل هذا الرئيس العبقري ، كما وصف نفسه ذات مرة، الذي يبدو ، من خلال اتصاله الهاتفي المشار اليه، انه لا يهدف سوي الي تعزيز وضعه الانتخابي المنهار، وهي تحليلات تشاطرها صحيفة “نيويورك تايمز”التي ذهبت الي حد القول ، في عددها الصادر البارحة ، ان دبلوماسية ترامب الكارثية لم تؤدي الي نتيجة.

فبالبناء علي ما سلف ، يمكن القول بثقة ، ان وباء فيروس كورونا سيؤثر علي كل ملامح السياسة الخارجية الأمريكية، وهذا بالضبط ما يقض مضاجع الطبقة السياسية الاسرائيلية التي التحم رئيسها بالرئيس الأمريكي، في نطاق حلف بين الصهيونية المسيحية مع الصهيونية اليهودية،الي درجة ان الأخير ،وهو رئيس دولة عظمي ،قام في حفل استعراضي ، منقول مباشرة عبر قنوات التلفزيون، بإطلاق الرصاص علي جميع قرارات الشرعية الدوليةالتي كانت مرجعية في عملية التسوية السياسية للقضية الفلسطينيةالتي تنهض علي أساس حل الدولتين ،مستغلا بدهاء انهيار النظام العربي الذي عملت الإدارة الأمريكية علي الإطاحة به، عبر مختلف الوسائل من ضمنها تدبير الفوضى الخلاقة، علي سبيل المثال، ناهيك عن الإطاحة بانظمة وطنية. لقد شكل وهن النظام العربي والحماسة الافنيجلية الفائقة في امريكا ممثلة في راس الإدارة الحاكم حاليا فرصة سانحة لليمين الاسرائيلي بقيادة نتنياهو سمحت لحكومته الاستيلاء علي كل الأراضي الفلسطينية مثلما تم تكريسه بمقتضي صفقة القرن.

السؤال المركزي الذي يتبادر الي ذهن العديد من المتتبعين والمناصرين لقضية الشعب الفلسطيني، يهم مدي تاثيرات فيروس كورونا الانقلابية القادمة التي ستهز الأوضاع العالمية علي مصير صفقة القرن، الذي اختزل حجم تأثيرها علي البشرية ما جاء في تصريح المدير التنفيذي ورئيس “تشانام هاوس”
الذي جاء فيه”ان جائحة فيروس كورونا قد تكون القشة التي قصمت ظهر بعير العولمةالاقتصادية”

اهتمت مراكز القرار الاسرائيلية وكذا المراكز البحثية الاسرائيلية بالموضوع، مثلما يتجلي من جلسة نقاش خاص انعقدت يوم 12 من الشهر الجاري بمعهد دراسات الأمن القومي الاسرائيلي ،شارك فيها كل من البروفيسورة جيلي ريغيف يوحاي،مديرة قسم منع ومراقبة التلوث في المستشفيات، وعمانويل تراتختنبرغ ، اقتصادي،وباحثات وباحثون آخرون.

استعرض الباحثون سيناريريوهيين أساسيين:

الأول تفاؤلي ، نسبيًا،اعتبر ان الكورونا مثل الانفلونزا،

،ستؤدي تطور الأوضاع الي احتواء الوباءلاحقا، واستئناف العلاقات الاقتصادية والتجارية الي سابق مساراتها في الربعين الثاني والثالث من السنة، مع انخفاض ضئيل في معدل الناتج المحلي السنوي.

أما السيناريو الثاني فيتسم بالتشاؤم، مفترضاوباء عالمي مستمر، لن تفلح أغلبية دول العالم معه في وقف الوباء ، علي الأقل في الأشهر الستة القادمة، الأمر الذي سينتج عنه إصابةالعلاقات التجارية والاقتصادية بأضرار جسيمة ،وركودعميق، كما سيلحق الناتج العالمي بأضرار مماثلة،ووفاة الملايين من البشر.

يتوقع الباحثون، في ظل هذا السيناريو، ان اكبر تهديد للاقتصاد العالمي والاسرائيلي سينتج عن بطؤ النمو في الولايات المتحد بمراعاة مدي قدرتها علي علاج الأزمة وآثارهاالصحية، الامرالذي سيفرض علي ترامب اجراء تغيير جوهري في سلوكياته بالاعتماد المتزايد علي المستوي المهني والعلمي لمساعديه.ويتوقع الباحثون ان كورونا قد تضر بالقاعدة الانتخابية للرئيس، الأمر الذي سيهدد إمكانية اعادة انتخابه،و سينعكس ذلك علي اوضاع اسرائيل التي قدم لها دعمًا لم يسبق ان حصلت عليه من أي رئيس أمريكي آخر،باعتباران من شان فوز رئيس ديموقراطي تقييد حرية اسرائيل ،رغم استمرار تاييد محدود لها.

يتجلي من خلال استعرض وجهة نظر الباحثين الاسرائيليين سالفة الذكر التي نقلتها بتصرف عن موقع شجون عربية، مدي ارتباط مصير صفقة القرن مع تطورانتشار وباء كورونا، حسب رأي الباحثين المذكورين، ويبرهن ذلك علي صحة العديد من التحاليل التي تنحي الي القول ان وباء كورونا سينتج تداعيات مختلفة علي مستويات الاقتصاد والمجتمع والسياسة خاصة بالنسبة الي ديموقراطيات السوق العريقة، وهو ما تمثل، علي سبيل المثال، خفوت صوت التهديد الترامبي للصين، وطغيان صوت متودد كما يتجلي من تغريدة الرئيس التي نشرها البارحة في موقعه.لعل مبادرة ولي عهد الإمارات العربية الي الاتصال الهاتفي ، البارحة، مع الرئيس السوري، للإعلان له ان سوريا لن تكون وحدها في هذه الظروف الدقيقة ، هي خطوة اولي، تنبئ عن بداية افول العهد الترامبي،الممثل القوي لليمين الرأسمالي البالغ توحشا وعدوانية… وبداية بزوغ عهد أفضل اكثر عدلًا وانصافا للشعوب وعلي رأسها الشعب الفلسطيني، ، وتبخر مهزلة القرن.

عبد اللطيف مشبال
← الرجوع إلى جميع المقالات