الرأي المخالف للقاضي والمادة 16 من قانون التنظيم القضائي - المحور الثالث

نشر بتاريخ

من المفيد التذكير، وقبل استعراض وجهات نظر الرأيين سالفي الذكر، ان لَبْسا يحيط مدلول الرأي المخالف لانه لا يعد اصطلاحا دقيقا يؤدي الي المعني المقصود في بعض الحالات ، اذ يحمل ، فضلا عن المعني المشار اليه سالفا الذي يعني رفض صاحب هذا الري بكيفية جازمةمنحي الحكم في مبناه ونتيجته ، حالة الآراء المتطابقة ،التي يعبر القاضي المخالف من خلالها عن وجهة نظره الخاصة بصدد الإشكال القانوني المعروض علي المحكمة رغم تأييده التام لرأي الأغلبية بخصوص منطوق الحكم ، بل وقد تكون وجهة نظر هذا القاضي تحمل المعنيين ،معا مما ينبغي معه الرجوع الي تنصيصات الحكم لتحديد موقف الأقلية بالنسبة للتشريعات التي تعترف بالراي المعارض.

حول راي مناصري مذهب سرية المداولة:

تتمحور آراء اصحاب هذه النظرية المنتمون الي المدرسة القانونية اللاتينية الجرمانية وعلي راسها فرنسا ، إيطاليا،ألمانيا،في النقط التالية:

حول نظرية مناصري نشر الرأي المخالف:

يتمحور معسكر الموالين لهذه النظرية في المدرسة الانجلو سكسونية انطلاقا من التقليد الإنكليزي الذي كان يلزم كل قاضي كتابة أسباب حكمه كاملة ، فالآراء الفردية للقضاة هو معطي خاص بانظمة comen law, وتتأسس وجهة نظرهم في النقط التالية:

هذا هو راي الفريقين سالفي الذكر، قمت بتلخيصهما بقدر كبير من التركيز في محاولة للوصول الي خلاصة لهما بشكل يكاد يكون كامل الشفافية لتمكين كل مهتم بالموضوع البالغ الأهمية من الإحاطة، قدر الإمكان، بتعقيداته، واشكالاته.

بقي ختاما ان استعرض موقف بعض التشريعات من الرأي المخالف للقضاة.

حول التشريعات العربية:

لا تعترف سوي أقلية من التشريعات العربية بحق القاضي المخالف في اعلان موقفه ،وهي التالية: الإمارات العربية ( المادة 128 من قانون الإجراءات المدنية) اليمن( المادة 88 من ق الإجراءات المدنية، مثلما سبق ذكره سالفا )الاْردن (159/2 من قانون الأصول المدنية ) العراق( 160 ق الإجراءات المدنية)

هذه القوانين تجمع علي حفظ حق القاضي المخالف في التعبير عن رأيه وإثباته في مسودة الحكم دون ان يعطي منه صور مع حفظ الحق في الاطلاع عليها( القانونين الأردني والعراقي)

حول التشريعات الأجنبية:

علي الرغم من كوّن الدول الأوروبية تنتمي الي مذهب القانون المدني بزعامة فرنسا،فانهاوفي اغلبها تعترف بالراي المخالف للقاضي، بينما لا تعترف به ( فرنسا، إيطاليا، اليونان،الدانمرك،روسيا، بلجيكا ،اللوكسمبورغ، هولندا)

اما البرتغال والنمسا فلها نظام تشريعي يعترف فقط لمحاكمها الدستورية بنشر الرأي المخالف للقاضي.

وعلي الرغم من انتماءدول امريكا اللاتينية لنفس المذهب الا ان جلها تعترف في تشريعاتها بالراي المخالف للقاضي، علي الاقل بالنسبة لقضاة محاكمها الدستورية( المكسيك، برازيل،شيلي، أرجنتين، كلومبيا، إكوادور، اورغواي، بيرو، )بينما تشايع المذهب سالف الذكر كلا من هايتي وسانتو دومنغو

اما دول المدرسة الأنكلوسكسونية، ومثلما سلف ذكره، فتعترف بالراي المخالف للقاضي، وتلزم بنشره في الحكم(إنكلترا، كندا، ايرلندا، الولايات المتحدة، الهند، استراليا، نيوزلندا ، الباكستان، جنوب افريقيا،الفلبين)

اما الصين وإندونسيا فلا تعترفان بالحق المخالفللقاضي في نشر رأيه.

ختاما، يمكن القول بعجالة لتفادي المزيد من الاطالةالتي وجدت نفسي منغمسا فيها لاهمية الموضوع في محاولة متواضعة للتمسك بخطوطه الاساسية ، الذي كان موضوع اطروحات ،من ضمنها ما تناولته بالبحث علي مستوي ممارسةالحق المذكور من طرف قضاة المحاكم الدولية، ، انه وعلي الرغم من جدية طروحات كل من الفريقين الموما إليهما، فان الموضوع يتعدي نطاق تباين وجهتي قانونية ضيقة للطرفين، الي ما هو أعمق، لصلته الوثيقة بالجيل الجديد من الحقوق، سيما ما نص عليه الفصل 27 من الدستورالمتعلق بحق المواطن في الحصول علي المعلومةالتي تداول فيها القضاة، وتمخض عنهاحكم المحكمة المنسوب اليهم جميعا ولئن عبر قاضي منهم علي راي مخالف، ما دام ان تلك المعلومة او المعلومات قد تكون مست برأيه بكيفية او اخري.

وإذا كانت مناقشات البرلمان المنتخب بارادة المواطنين تتم علانية ، في نطاق ممارسات اختصاصاته كسلطة تشريعية عبر سن القوانين ، وإذا كانت السلطة القضائية تساهم،هي الاخري، بكيفية ملموسة في كتابة القوانين ، عبر تأويلها، عند الاقتضاء، فكيف يمكن ان يحجب عن المواطن مضمون مداولة القضاةوهم بصدد إصدار أحكامهم ، بحجة السرية،وهو مفهوم عتيق لم يعد يتلائم مع روح العصر بدليل ان الدول الأكثر تقدما وتاثيرا في العصر تجافي هذا المفهوم وبدليل ان المواثيق الدولية تنكرت له؟ ثم كيف يعترف للقاضي بحقه في ممارسة حق التعبير ، بينما يمنع عليه ذلك في حكمه المنسوب اليه،،؟

فبناء علي هذا المبني اعتقد ، ومرة اخري ان المشرع لم يحالفه التوفيق حينما وقف مترددا عند صياغته نص المادة 16 من قانون التنظيم القضائي ، حينما ابقي علي سرية المداولة، والزم بتحرير مااسماه محضر يتضمن راي القاضي المخالف بدلا من وثيقة محررة بخط يده مع انهاالأكثر وثوقية ، ليقع حفظها في مكان ما عند رئيس المحكمة.

عبد اللطيف مشبال
← الرجوع إلى جميع المقالات