النقد السينمائي ،، والامية الثقافية

نشر بتاريخ

لعل من اهم المعضلات التي يعاني منها مجتمعنا تفشي الأمية التقليدية ، اي عدم القدرة علي الكتابة والقراءة .

غير انه يلاحظ انه والي جانبها تتفشي ظاهرة لا تقل عنها خطورة وهي شيوع ما يمكن تسميته بالامية الثقافية التي تعني ضعفا عاما يعتري هذا الامي الذي ولئن تخطي نطاق الأمية التقليدية، فانه وبحكم تكاسله المعرفي ، وتوقفه عن القراءة والاطلاع، واكتفائه بالتموضع في المعلومات التي تمكن بها من الحصول علي شهادة جامعية، ، فانه ينتهي الي فقدان قدرات جادة تمكنه من متابعة افرازات العصر في شتي حقول الفكر والعلم والأدب ، السريعة الايقاع، مما يحرمه من أدوات التحليل الكفيلة بإنارة سبل التمييز بين الغث والسمين، وبالتالي يعرضه لارتكاب اخطاء جسيمة ، سيما علي مستوي الوعي السياسي، ، بل والانكي من ذلك ، فان مؤدي هذه المحصلة البئيسة، تدحرج مراتب هذا الامي المثقف للاستقرار مع الجموع الهائلة من اصحاب الأمية الثقافية.

يمثل ذ شبو بالنسبة لي حالة خاصة من حالات يمكن تسميتها بالمثقف النجيب ، فهو ينتمي الي أولائك النجباء الذين لايكلون عن تنمية مداركهم عبر الاطلاع والقراءة والتتبع ومواكبة المستجدات في مختلف ميادين المعرفة.

فبالإضافة الي تخصصه المشهود به في قانون الاعمال ، وإسهامه فيه عبر أطروحته المتميزة والفريدة حول القاضي المنتدب ، وكتابه المرجعي حول السجل التجاري، وإسهاماته المنشورة بخصوص قانون الشركات التجارية، بل وحتي مداخلته التي تقدم بها في محفل علمي رفيع حول موضوع مسطري دقيق بشأن مسطرة الغرف مجتمعة امام محكمة النقض، الي غير ذلك من الإسهامات التي لم تسعفني الذاكرة في تذكرها، فان كتاباته التي أتيح لي الاطلاع عليها مؤخرا من خلال صفحته الفايسبوكية ، لم تنقطع عن مفاجأتي ، ولتبين لي انني امام رجل واسع الاطلاع ، ذي اهتمامات متنوعة حقيقية،، مثلما يتجلي ذلك من كتاباته حول رياضة كرة القدم،وذاكرته القوية والحافلة حول نجومها،وحول التطورات والصراعات بالشرق الأوسط ، وحول الشأن القضائي بتفاصيله ، حتي تلك الغابرة،،

اما مقالته حول سينما تريفو ،من خلال فيلمه الرائع ” مصروف الجيب” ، محل هذا التعليق، فيشكل برهانا اضافيا علي ان ذ شبو هو ايضا ذي ثقافة سينمائية غنية.

هذه الثقافة التي كانت في حقبة السبعينيات والثمانينات ملاذا ” آمنا” لمثقفين تقدميين ، من خلال الانتشار الواسع للأندية السنمائي في عدد من المدن المغربية عندئذ، فجعلوا من الشاشة الصغيرة، ومن الفن السابع اداة للتحليل ورصد تطورات المجتمع، وتحريك الهمم، عبر انتقاء دقيق للأفلام الهادفة ، من ضمنها أفلام تروفو وزميله كودار، والافلام الإيطالية ( المدرسة الواقعية) التي تفوقت والحق يقال عن زميلتها الفرنسية،كأفلام فيطوريو دي سيكا، بازوليني، جيوفاني، دومنيون دامنياني، فسكونتي،فليني،، وافلام المدرسة الواقعية المصرية،، كأفلام ابوسيف، توفيق صالح،،

يكاد يعتقد قارئ مقال ذ شبو المذكور ، ان صاحبه ناقد سنمائي متمرس،يكاد يضاهي سمير فريد، الناقد والمؤرخ السنمائي الكبير، الذي كان له فضل في تكوين ثقافتي السنمائية في زمن غابر، وفِي مرتبة نورالدين الصايل، وعلي حسن،،وذلك ناتج عن اعتبارات شتي،من ضمنها المامه الكبير بلغة السينما ( المخالفة للغة القانون!) وتقنياتها ، كما يتجلي من ملاحظاته الدقيقة بشأن إيقاع الموسيقي التصويرية او بخصوص استعمال مخرج الفيلم تقنيات ما يعرف بالسيناريو المرتجل، ملامسته للكاستنغ،ادراكه تأثير سينما هيتشكوك المشوقة في بعض لحظات الفيلم،،

وليس هذا فحسب، بل وايضاً فان ذ شبو وجه انتقادات موضوعية للفيلم بخصوص إسرافه في الاعتماد علي اسكتشات الأطفال دون قيام رابط بينها،،

ختاما، لا يسعني سوي تهنئة ذ شبو علي غني اطلاعه المعرفي،، وننتظر مختلف إسهاماته الثقافية بشغف،،

عبد اللطيف مشبال
← الرجوع إلى جميع المقالات