حول المشروع الفرنسي لإصلاح نظام الطعن بالنقض

نشر بتاريخ

بتاريخ 20 /3/ 2018 نشر موقع محكمة النقض الفرنسية منصة تعلن عن الخطوط العريضة لمشروع إصلاح نظام الطعن بالنقض الذي تقدمت به في شخص رئيسها الي وزيرة العدل ، يهدف الي احداث نظام لتصفية عرائض النقض filtrage في المادة المدنية بعد ان قطع المشروع مراحل عديدة ابتداءا من سنة 2014، وإشراك عديد من الفعاليات الحقوقية ذات الصِّلة بالموضوع، بهدف تمكين محكمة النقض من القيام بدورهابالفعالية المتوخاة حسب تصور واضعي المشروع، بالنظر للعدد الهام من عرائض النقض المدنيةالتي تبلغ 20000سنويا، وهو مايحول دون ذلك ، حسب راي الرئيس الاول للمحكمة في تصريح له بالتاريخ الموما اليه، الذي أشار الي التأثير المتزايد للتوجهات التشريعية الأوروبية الناظمة للطعن المذكور.

ولدعم وجهة نظره وايضاً للدفاع عن طروحات واضعي المشروع ، يشير الرئيس الاول ان ثلاثة ارباع طلبات النقض تنتهي بالرفض لعدم قيامها علي اساس قانوني معتبر،ومن ثم فان مؤدي الفكرة التي ينهض عليها المشروع تنحي الي ازاحة العرائض ا”الهشة” , ان صح التعبير، وهي تلك التي لا تنهض علي وسائل نقض جدية،من ولوج الطعن بالنقض، في خطوة لا يمكن ان تؤدي الي النتيجة المرجوة دون ادخال إصلاحات علي قوانين المسطرة المدنية، سيما ما يتعلق بالطعن بالاستئناف،وهو ما من شانه ان يحقق ، في نظره، تسريعا بالبت في النزاعات، وبالتالي سيؤدي ذلك كله الي ضمان الأمن القضائي.

يتضمن المشروع دفاعا عن رؤيا واضعيه ، وتأكيدهم علي إقراره المساواة بين المواطنين الراغبين في التوجه الي عدالة محكمة النقض، وهو ما سيتم بتنحية طالب النقض الخاوي الوفاض من وسائل جدية للنقض من الولوج لمحكمة النقض، عبر خلق غرفة في هذه المحكمة تتولي فحص طلبات النقض، ومنح الإذن بسلوك هذا الطعن اذا تبين ان له أسباب جدية.ولهذا الغرض اقترح المشروع تعديل الفصل 411-2-1 من قانون التنظيم القضائي ليتضمن ما يلي:

ان الطعن بالنقض، فيما عدا السلطات المخولة في هذا الشأن للوكيل العام، يخضع لإذن لا يمنح سوي اذا كانت القضية تثير مسالة جوهرية تكتسي مصلحة لفائدة تطوير القانون، او انها تثير مسالةتكتسي مصلحةلفائدة توحيد الاجتهاد القضائي، او اذا كانت القضية تمس ، بكيفية خطيرة ،قاعدة قانونية جوهرية.

وأسند المشروع لغرفة بمحكمة النقض ، مكونة من ثلاث قضاة ،ينتمون للغرفة المختصة حسب طبيعة النزاع،الاختصاص لمنح الترخيص بسلوك الطعن بالنقض من عدمه، بمراعاة العناصر الباهتة التي تضمنتها المادة المشار اليها.

يبرر واضعوا المشروع ، ايضا، بموقف بعض التشريعات الأوروبية في الموضوع التي وضعت حواجز امام طالبي خدمات محاكم النقض، كل حسب رؤيتها الخاصة للقانون الاجرائي ، التي تتلخص في اتجاهين رئيسيين، الاول ينحو الي احداث مساطر ( عراقيل بالاحري)من شانها تقليص حالات النقض الي حد أدني،والاتجاه الثاني يشترط الحصول علي إذن خاص لهذه الغاية،مثلما يرنو اليه المشروع الفرنسي.

تجدر الإشارة في هذا الصدد الي الموقف المتميز للقانون الاجرائي الإسباني الصادر سنة 2000 الذي ادخل تعديلا جوهريا بل وقاسيا علي نظام الطعن بالنقض،ففصل بين الطعن لأسباب شكلية وجعلها من اختصاص المحاكم العليا الاسبانية التي تتوفر عليها كل جهة autonomia ، اي الي المحكمة العليا التابعة لها محكمة الاستئناف المصدرة للحكم، بينما جعلت الطعن بالنقض المؤسس علي خرق القانون بمدلوله العام من اختصاص المحكمة العليا بمدريد El tribunal supremo , وهو نظام عقيم، تعرض لنقد شديد من الفقه، ويكفي في هذا الصدد الإشارة انه يمنع علي طالب النقض الجمع بين الطعنين،بمعني ان الطالب الذي اختار الطعن الشكلي موضوع الفصل 468 ق م م الاسباني يمنع عليه ولوج الطعن بالنقض المؤسس علي أسباب تتعلق بخرق قاعدة قانونية او باقي الأسباب غير المتعلقة بالشكل موضوع الفصل471 من نفس القانون، وفِي هذا المنع الجائر مساس خطير بحقوق المتقاضي في استعمال الطعن بالنقض لمعالجة اجحاف يدعي انه لحقه من حكم معين، وبالتالي في هذا التوجه مساس بحق من حقوق الانسان.

نعود لمشروع القانون الفرنسي المذكور أعلاه ، للتذكير بما أعلنت عنه مذكرته التقديمية من أسباب داعمة،تتجلي علاوة علي ما سبق ذكره،في الرغبة في تحقيق إدارة جيدة للعدل، والتحكم في العمر الزمني للقضايا،وتسريع وتيرة دراسة القضايا من طرف قاضي النقض، وتخفيف الضغط علي محكمة النقض بإزاحة القضايا الاقل أهمية عن نظرهم،مع تقوية سلطة قضاة محاكم الموضوع.

ولتحقيق هذه الغايات أوصي المشروع ب:

تقوية دور قاضي الدرجة الاولي ، وتمكينه من وسائل قوية للقيام بماموريته.

وبطبيعة الحال ، وامام هذه المحاولة التي اطلعت بها محكمة النقض الفرنسية لاصلاح منافذ ولوج الطعن بالنقض من جمهور المتقاضين، والاستئثار بما هو من صميم عمل المشرع، لربما في مساعي لتنشيط الفكر القانوني ، فقد ارتأي واضعو المشروع الاستعانة بإحصائيات لاضفاء صبغةالوجاهة عليه، ومن ضمنها ان طلبات النقض بلغت سنة 2017 ما قدره 22890 قضية ، وحكم في القضايا الرائجة ما قدره 20667 قضية ، نقض منها ما قدره 26‎%‎ بما معناه ان الرفض كان مآل الباقي.

وكما كان متوقعا ، بالنظر لحمولة هذا القانون الإجرائية، وتاثيرها الملموس علي مصالح المتقاضين والمواطنين عموما، فقد ووجه المشروع بانتقادات حادة ، واذكر بهذا الصدد ما عبر عنه بشكل ساخر الاستاذ الجامعي باسكال لوكييك بمقال نشره بجريدة ليبراسيون، حينما أوضح ان اغلب منازعات الشغل لن تحظي في ظل هذا القانون بعناية واهتمام قضاة النقض باستثناء الجزء منها المتعلق بالحقوق الاساسية ( التمييز ، التحرش الجنسي)وأعطي مثالا حيّا في هذا الصدد مستوحي من قضيتين عرضتا علي القضاء ، الاولي تتعلق بصيدلي حكم عليه بأدائه لمستخدمة عنده مبلغ 50.000 أورو من اجل طرد غير مبرر، والثانية، تتعلق بسائق شاحنة رفضت مطالبه التي كانت ترمي الي الحصول علي مقابل ساعات إضافية بذلها لفائدة مشغله لعدة سنوات، وانتهت القضيتين بقرارين صدرا في هذه السنة، نقضا القرارين الصادرين في القضيتين، ليخلص من هذا الاستعراض الي ان من شان تطبيق نظام التعديل المقتر ح لنظام النقض حرمان أمثال هذين المتقاضين من حقوقهما، ولن يكون في متناولهم سوي ذَر الدموع، ما دام ان مثل هذين القضيتين لا تعني شيئا ، متي لم يخرق قانون جوهري!!

وتساءل عن أسباب هذا الإصلاح ، مشككا في وجاهتها ، ما دام ان 20000 قضية مدنية معروضة امام محكمة النقض سنويا ليس بالعدد الكبير، باعتبار ان عدد سكان فرنسا يبلغ 66مليون من الاشخاص الذاتيين والملايين من الاشخاص المعنيين، القابلين كلهم للتقاضي، مما ينبغي معه تبادل التهاني لان العدد المذكور من القضايامعتدل للغاية ، ضعيف ومستقرنسبيا منذ عدة سنوات رغم انه حدث اثناء هذه المدة انفجارات علي مستوي العديد من القوانين والمراسيم والاجتهادات والنصوص الأوربية والدولية.ثم ، ختاما ، أوضح الفقيه المذكور ، ان الآليات التي سلكها واضعوا المشروع نتج عنها تحويل مسار محكمة النقض فأضحت غرفة تشريعية ثالثة!

ولعل اهم الانتقادات التي تم الاعراب عنها في مواجهة المشروع سالف الذكر هو ما تضمنه البيان الذي اصدرته نقابةالقضاة، والاتحاد النقابي للقضاة، والفدرالية الوطنية لاتحادات المحامين الشباب، ونقابة محامي فرنسا،وجمعية المحامين الشباب الذين أعربوا عن رفضهم المطلق له ،مؤسسين موقفهم علي ان المشروع يكرس التخلي عن الحق الذي يكفله النظام الجمهوري القضائي لكل متقاضي من اجل التوجه بطعنه امام محكمة النقض لفحص مدي مطابقة القرار المطعون فيه للقانون، وبدلا من ذلك يتجه المشروع الي إقرار نظام تتولي فيه محكمة النقض ذاتها تحديد القضايا التي ستتولي الفصل فيها بناءا علي مقاييس غامضة، واعلنت هكذا عن رغبتها في التخلي عن دورها التاريخي في مراقبة حسن تطبيق القانون من طرف القضاة في أحكامهم، وليس فقط في تأويل نص قانوني وتطويره، مما سينتج عنه التضحية بحقوق المتقاضي.

هذا البيان الصادر عن جمعيات مهنية للقضاة والمحامين ،اي من منتجي العدالة، ، يبرهن من جديدان تلاحمهما لبلورة هذا الانتاج ، في وعي تام منهم ان أية عدالة حقيقية لن يكون لها مكان لولا هذا الانصهار الذي ينبني ، بداهة، علي أسس الاحترام المتبادل، والثقة، ،وأزيد من هذا بحتمية هذا التفاعل الإيجابي علي النحو الذي يستشف من البيان الرائع المذكور دفاعا عن حقوق المواطن في ولوج مرافق العدالة.

لعل السيد الوكيل العام اما م محكمة النقض ا نتبه مسبقا لمثل هذه الانتقادات ، حينما قام بالتمييز في مداخلته التي تقدم بها امام اللجنة المكلفة بالمشروع، بين طرق الطعن العادية التي منحها صبغة حق التقاضي، بخلاف النقض الذي هو طعن غير عادي ، في رأيه، ونزع عنه صبغة الحق انطلاقا من معيار تحكمي، استنادا علي قرا ر لمحكمة العدل الأوروربية، ليخلص من ذلك الي أحقية وضع حواجز او بالاحري عراقيل امام قبول

طلبات النقض، بدعوي ان طلب النقض ليس بحق مطلق!

هل يمكن في هذه الظروف مجاراةراي احد الفقهاء البارزين الذي استنكر ما اسماه عملية التحول القضائي الي حالة هذيان،،؟

عبد اللطيف مشبال
← الرجوع إلى جميع المقالات