حول سريان أجل الطعن بالنقض تجاه من بلغ الحكم بناء على طلبه

نشر بتاريخ

أصدرت محكمة النقض بعض القرارات التي نحت إلى اعتبار ابتداء سريان أجل الطعن بالنقض، بالنسبة للطرف الذي قام بتبليغ الحكم بناء على طلبه ، من يوم التبليغ مستندة في ذلك على أحكام الفقرة الثالثة من الفصل 134 من ق.م.م التي تنص على :

” على أنه يبتدئ الأجل تجاه الشخص الذي بلغ الحكم بناء على طلبه ابتداء من يوم التبليغ”.

( قرار صادر بتاريخ 23/02/2000 في الملف المدني 247/98 ـ منشور” بمجلة محكمتي” مارس 2014 )

و هناك قرار آخر كرس اجتهادا مماثلا تأسيسا على نفس المقتضى سالف الذكر و كذا على احكام الفصل 380 منه التي تنص على أن محكمة النقض تطبق على القضايا المعروضة أمامها القواعد المعمول بها أمام محاكم الاستئناف.

لكن يبدو ، حسب رأيي المتواضع ، أن الاجتهاد المومأ إليه لا يستقيم مع أحكام القانون للأسباب التالية:

1 ـ إن نطاق الفصل 134 ( الفقرة الثالثة ) من ق.م.م قاصر على حالة الطعن بالاستئناف و لا يتعداه إلى الفصل 358 منه الذي يحدد نقطة ابتداء سريان أجل الطعن بالنقض.

2ـ إن الفصل 380 من ق.م.م يحيل على مقتضيات المسطرة المطبقة أمام محكمة الاستئناف التي تبتدئ من الفصل 328 وما بعده ، بينما مسطرة بداية الأجل، بالنسبة للطعن بالنقض ، وارد في الفصل 358 المشتمل على مقتضى خاص ، فضلا على أنه سبق لمحكمة النقض أن منحت التفسير السليم للفصل 380 المذكور و جعلته قاصرا على الاجراءات دون الطعون.

علما أن مجال الطعون و تواريخ سريانها تعد من الضمانات الجوهرية المخولة للمتقاضين ، فلا يمكن سنها أو تعديلها سوى بنص تشريعي ، فليس من المسوغ التوسع أو التضييق في تأويل أحكامها عن طريق القياس أو الاستنتاج لما في ذلك من انتهاك لتلك الحقوق.

3 ـ إن محكمة النقض ( الغرفة التجارية ) استقر اجتهادها على استبعاد أحكام الفصل 134 المذكور للأسباب سالفة الذكر.

و على سبيل المثال ، فقد جاء في قرار صادر عنها ما يلي :

” حيث أثارت الشركة العامة المغربية للأبناك النائب عنها الاستاذ عز الدين الكتاني في مذكرتها الجوابية المودعة بكتابة المجلس الاعلى بتاريخ 23/11/2000 الدفع بعدم قبول مقال النقض المقدم من طرف شركة ” نادي بلاسط ” لوقوعه خارج الأجل إذ أن القرار المطعون فيه بالنقض تم تبليغه إلى الشركة العامة المغربية للأبناك من طرف شركة ” نادي بلاسط ” بتاريخ 28/10/99 في حين أن هذه الأخيرة لم تتقدم بطلب النقض إلا بتاريخ 11/3/2000.

لكن ، حيث أن قاعدة سريان أجل الطعن تجاه من بلغ الحكم بناء على طلبه قاصرة على الفصل 134 من ق.م.م الخاص بمحاكم الاستئناف و لا يتعداها إلى الفصل 358 من نفس القانون الذي يهم بدء سريان أجل الطعن بالنقض باعتبار أن الفصل 380 من ق.م.م يحيل على مقتضيات المسطرة المطبقة أمام محكمة الاستئناف التي تبتدئ من الفصل 328 و ما بعده ، و أن مسطرة بداية الأجل بالنسبة للطعن بالنقض منصوص عليها في الفصل 358 أي ورد بها نص خاص وهو لم يتضمن القاعدة المذكورة فلا ينبغي اقحامها به ومادام القرار لم يبلغ للطالب فإن مقال النقض يكون مقبولا و يبقى الدفع على غير أساس”.

( قرار صادر بتاريخ 20/3/2002- ملفين تجاريين مضمومين عدد 1313/ 00 و 577/00 )

كما أن نفس الغرفة أكدت اجتهادها المذكور بقرارات متواترة نذكر منها :

( قرار صادر بتاريخ 28/06/2006 – ملف تجاري عدد 131/3/2005 )

( قرار صادر بتاريخ 18/07/2019 – ملف تجاري عدد 223/3/1/2012 )

4 ـ إن الفصل 135 من ق.م.م يتيح للطرف الذي قام بتبليغ الحكم و انصرم أجل تقديم الاستئناف الأصلي دون أن يتقدم به وفق ما تنص عليه أحكام الفقرة 3 من الفصل 134 من ق.م.م ، أن يتقدم باستئناف فرعي ، عند الاقتضاء ، لتصحيح الحكم وفق مطالبه و مصالحه، بينما لا تتوفر هذه الامكانية عند الطعن بالنقض حينما يكون طالب النقض قد سعى إلى تبليغ الحكم إلى الخصم، لانعدام نص يتيح ذلك.

و هو برهان آخر على أن مجال تطبيق القاعدة موضوع الفقرة 3 من الفصل 134 من ق.م.م قاصر على الطعن بالاستئناف دون الطعن بالنقض .

مع العلم أن القانون الإجرائي اللبناني يتيح الطعن بالنقض الطارئ ( الفرعي ) و كذا الطعن بالنقض الإضافي وفق ما تنص عليه المواد التالية :

مادة 712 - للمطعون ضده ان يقدم في مهلة ثلاثين يوما من تاريخ تبلغه الطعن الاصلي طعنا طارئا في القرار الذي تناوله الطعن الاصلي ولو بعد الرضوخ له او انقضاء مهلة النقض .اذا تعددت القرارات الصادرة في القضية ولم يتناول الطعن الاصلي سوى قرار منها جاز ان يتناول الطعن الطارىء هذا القرار وسائر القرارات الأخرى ولو بعد الرضوخ لها أو انقضاء مهل الطعن عليها.

مادة 713 - للطاعن الأصلي، في حال طعن خصمه في قرار لم يتناوله الطعن الأصلي، ان يطعن بدوره بطريق طلب النقض الاضافي، في هذا القرار وكل قرار اخر لم يتناوله طلبه السابق.

كما له بعد ان تناول في طعنه الاصلي بعض جهات القرار وتناول طعن خصمه الطارىء الجهات الاخرى منه ان يقدم طعنا اضافيا بسائر جهات القرار التي لم يتناولها طعنه الأصلي.

يقدم الطعن الإضافي في الحالتين السابقتين في مهلة خمسة عشر يوما من تاريخ تبلغ مقدمه الطعن الطارىء.

مادة 714 - يجوز تقديم الطعن الطارىء ايضا، وفي المهلة عينها المحددة في الفقرة الأولى من المادة 712 ، بوجه خصم آخر في الطعن الاصلي او اي خصم في المحاكمة الاستئنافية ولو غير مطعون ضده، متى كان مقدم الطعن الطارىء قد وجه إليه.

فيتجلى من موقف المشرع اللبناني المذكور مشايعته للتشريع الفرنسي الذي ينظم الطعن بالنقض الفرعي أو المثار عملا بأحكام الفصول 991 و 992 و 1010 من ق.م.م.

اعتقد جازما أنه من المناسب تنظيم الطعن بالنقض الفرعي و المثار بنصوص خاصة في مشروع تعديل قانون المسطرة المدنية في سبيل تعزيز حقوق البعض من المتقاضين الذين قد يهملون تقديم طعن بالنقض الأصلي .

و صفوة القول أن عمل محكمة النقض يكتسي طابعا رادعا باعتبارها حارسة للقانون، إذ أنها عبر تفسيرها للقانون بتأويله ، توجه محاكم الموضوع إلى الانصياع إلى ذلك التفسير وهو أمر يستحيل تطبيقه عند انعدام حلول واحدة مكرسة من طرف اجتهادها.

و من ثم يمكن القول أن توحيد الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض أضحى ضرورة ملحة أزيد من أي وقت مضى لما فيه من حماية لحقوق المتقاضين ، باعتباره من ضمن أهم المطالب الحقوقية الملحة بالنظر لما يكفله من توحيد للحلول القضائية على نحو يرسخ الأمن القانوني على حد تعبير السيد رئيس النيابة العامة في مداخلة له حول تعميم الاجتهاد القضائي.

عبد اللطيف مشبال
← الرجوع إلى جميع المقالات