مدي قدرة انتاج قاعدة قانونية ملائمة

نشر بتاريخ

اثار اهتمامي ما عبر عنه زميلي المحترم ذ.امغار في تدوينته هذا الْيَوْمَ من أفكار يمكن تلخيصها في مدي قدرة وجدية الفئة المنتخبة في انتاج قاعدة قانونية ملائمة لبلادنا.

هذا النقاش يَصْب بطبيعة الحال في زخم الجدل العارم والإيجابي الذي تمخض عن الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش الذي وجه سهام نقد قاسية وموضوعية للمنتخبين والقيادات الحزبية لفشلها في تدبير الشأن العام.

وبادئ الامر انوه بمبادرة الزميل التي طرحت جملة من الأفكار والانتقادات ، تلامس بكيفية او اخري، جوانب من المعضلات المطروحة حاليا في الساحة السياسية الوطنية،في انتظار نتائج اعمال اللجنة الملكية المكلفة بإعداد تقرير لتحديد المسؤوليات بخصوص أسباب تعثر إنجاز مشروع الحسيمة.

ولعله من نافلة القول التذكير بجدوي الانخراط في كل نقاش موضوعي ومسؤول متي كانت الغاية منه تحقيق وحدة في الرؤي والمفاهيم ، قدر الإمكان، بهدف الدفع بعجلة التقدم بشكل عام في الوطن، باعتبار ان إشاعة فكر تقدمي وواعي هو لبنة في هذا الاتجاه.

وفِي هذا السياق ارغب بإبداء الملاحظات التالية:

1/ ان القانون في بلادنا ، كمنتوج للسلطة التشريعية، يتميز عن القانون الذي تنتجه مثيلاتها في الديموقراطيات الغربية، علي اعتبار انه متاخر عن مسيرة وتطور مجتمعاتها، فيعبر بالتالي عن ميزان صراع قوي طبقية في المجتمع،بخلاف الوضع في المغرب الذي نلاحظ فيه تقدم القانون علي المجتمع نتيجة ما يمكن ان أزعم انه تخبط في علاقات الانتاج.

2/ لقد أثرتم ملاحظة جاءفيها:

” ان الطبقة السياسية تشكلت من جماعة قليلة ينتمي أعضاؤها الي أصل اجتماعي متجانس، ولها تكوين عصري وأسلوب سياسي ذو طابع غربي وسطحي ، وهي تستعمل عن قصد أنماط تقليدية وشعبية من السلوك،ويظهر أعضاؤها للاجانب واجهة من الحداثة، غير انهم لم ينفصلوا عن المغرب التقليدي،،”

لكن اعتقد انه بالرجوع الي الظرف التاريخي الذي تم فيه وضع الأساس للقانو ن الوضعي المغربي في سنة 1965 ، سواء بالنسبة لحداثة استقلال المغرب او ضعف نخبته المثقفة، ان إقرار قاعدة قانونية بالحجم والأثر الذي تضمنه ما اعنيه ،اي قانون التوحيد والمغربة والتعريب ،لم يكن أمرا هينا علي الإطلاق ، فقد كان ثمرة نقاش خصب بين مكونات النخب السياسية والثقافية السائدة عندئذ، لاختلاف رؤي النخب عند بزوغ الاستقلال ، و قيام تيار قوي كان ينادي بما يمكن وصفه بالتيار الاشتراكي. وكانت هناك رؤي ووجهات نظر وجيهة .

لقد نحي رأي الي وجوب إعداد قوانين مستمدة من الفقه الاسلامي والي توحيد المحاكم علي أساس المحاكم الشرعية، وهو ما عبرت عنه نخب حزب الاستقلال النيرة ممثلة علي وجه الخصوص في علال الفاسي وَعَبَد الرحمان بادو. وعلي النقيض من ذلك فقد دافع رأي أخر عن الإبقاء علي القوانين الجاري بها العمل امام المحاكم العصرية، بل وتمديدها لتشمل جميع المناطق التي لم تكن خاضعة للاستعمار الفرنسي، وكان يدافع عنه حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وحزب الشوري والاستقلال، وجبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية،في حين نحي رأي ثالث الي معاضدة نهج توفيقي ينادي بالجمع بين الاتجاهين سالفي الذكر، بمعني وجوب تحديد مجال يختص به الفقه الاسلامي، وتحديد مجال آخر للقوانين العصرية ، شريطة تنقيحها بعد مراجعتها، وهو النهج الذي انساق اليه وأقره المشرع ورسخه في الفصل الثالث من قانون التوحيد المذكور.

3/ يتجلي بالرجوع الي الدراسات التي تعرضت لموضوع هذا القانون، وسيما الي المناقشات الصاخبة والثرية التي دارت حوله في قبة البرلمان ، والمنشورة في الجريدة الرسمية،المستوي العلمي الرفيع الذي تميزت به،وجدية الطروحات التي شكلت عقيدة كل فريق،بالنظر للانتماءات السياسية،التي كانت تعكس تباينا حادالاختلاف المشارب الثقافية والأيديولوجية للنواب ، نذكر منهم الزعيم علال الفاسي، عبد الخالق الطريس، محمد التبر، عبد اللطيف بنجلون،عبد الرحمان بادو، احمد رضا كديرة، رحمهم الله.

4/يمكن القول ، زميلي المحترم، ان قانوننا الوضعي هو قانون مركب،وكان لا بد ان يكون كذلك بحكم الحقبة الكولونيالية، فقد عمد الاستعمار من اجل حماية مصالحه ، الي سن قوانين حديثة، خارج النمط المغربي التقليدي، من جهة، وايضاً بسبب تضارب علاقات الانتاج السائدة، من جهة اخري، وأفرز ذلك قانون عصري ( لشركات،القانون التجاري والبحري،العقاري، الملكية الصناعية،الالتزامات والعقود،،)يطبق لتنظيم النزاعات الناشبة في مجال العلاقات الرأسمالية.

5/غني عن البيان انه لا يمكن تحليل القاعدة القانونية التي أتت بها ( القوانين العصرية) او تفكيكهافي مناي عن تحليل للوسط السوسيوتاريخي للمحيط الذي أنتجها ، اي في وعي تام بدور الاستعمار ( الريادي) في إنتاجها.

وغني عن البيان أيضا ان انضمام المغرب للسوق الرأسمالية ومنظومتها العالمية، يقيده بوجوب تحديث تشريعاته التجارية والمالية(البورصة) ، التحكيم التجاري الدولي، ، ، اذ لا يمكن لتلك المنظومة ان تقبل بالمجازفة بالاستثمار دون حصول ذلك التحديث، بل وايضاً بوجود قضاء متخصص.، مع الاعتراف بان تلك التشريعات تجد في التشريع الفرنسي مصدرا لها.

6/في هذا السياق لا يمكن ان نتغافل عن ملاحظة أساسية مفادها ان موافقة البرلمان سنة1965 علي قانون التوحيد سالف الذكر الذي قضي بتمديد تشريع الحماية الفرنسية ، وتطبيقه في كل التراب المغربي، يعني بكيفية واضحة لا تقبل الجدل بقبول الآثار القانونية التي أفرزتها كل الأحكام الصادرة في ظلها.

7/ لقد أردت اخي الكريم ، من خلال ما سلف بيانه،التنبيه الي ان القانون الوضعي ، ولئن تشكل من نخبة سياسية سيطرت علي الحياة السياسية المغربية بعد الاستقلال، غير انها ،وبخلاف رأيكم، لم تنتمي الي جماعة قليلة ينتمي أعضاؤها الي ،،،، كما جاء في مقالكم، بدليل انه تم التصويت عليه بالاجماع من ممثلي الأمة، ايّام قليلة قبل اعلان حالة الاستثناء بتاريخ 7/6/1965 من مختلف التيارات السياسية ، اذ لا يخفي ان حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كان يمثل بامتياز مصالح الطبقة البرجوازية الوسطي والصغيرة وصغار الفلاحين، بخلاف حزب الاستقلال ألذ ي كان يمثل الطبقة البرجوازية الوطنية الصاعدة والإقطاع ( لا ننسى منصور النجاعي بالغرب كمثال)

كما لا يمكن ان ننعت زعيما وطنيا من طراز علال الفاسي او محمد حسن الوزاني، او محاميا كبيرا من وزن المرحوم محمد التبر ، انهم ” ذي تكوين عصري ، وأسلوب سياسي ذو طابع غربي سطحي""!والحال ان الجميع يعلم بمكانتهم العلمية المرموقة البعيدة كل البعد عن الضحالة.

8/اما عن نعت الشريحة من النخبة بكونها ” تتمسك بقاعدة تشريعية وضعت علي النمط الفرنسي، لمكانة القطاع الفرنسي بالمغرب، وأنها ترتبط بعلاقات وثيقة مع جهاز الدولة للاستفادة من امتيازاته” فانه يستدعي اثارة الانتباه الي وجود ظاهرة عولمة قانونية ،تتجلي في التاطير القانوني لمفاعيل التقدم التكنولوجي ، تنغمس فيه عدة مجالات قانونية ذات اختصاص ضيق (قوانين حماية المستهلك،حرية المنافسة،التحكيم التجاري الدولي، اتفاقية الامم المتحدة ذات الصِّلة بالبيع الدولي للسلع،،)ومؤدي ذلك انه لا تثريب علي المشرع المغربي عند سنه قاعدة قانونية مستوحاة من التشريع الفرنسي، سيما وان الأخير لا يتردد في سلوك نهج مماثل علي مستوي الاقتباس بل واستنساخ قواعد قانونية أمريكية الصنع وحتي الطابع!! في نطاق ظاهرة أمركةالقانون americanitude.

اما فيما يهم الاتهام الموجه الي نخبة سياسية بارتباطها بالدولة ، لاهداف انتهازية، فلا يمكن لي ان أعقب عليه، لان أهل مكة ادري بشعابها،،!!

عبد اللطيف مشبال
← الرجوع إلى جميع المقالات