هزيمة قوية للنظام الجزائري - على هامش القرارات الأخيرة لقمة مجموعة البريكس

نشر بتاريخ

بداية ، يجدر التذكير ان العلاقة بين المصلحة الوطنية لاية دولة و بين دورها الخارجي الذي تطمح القيام به وصولا لتحقيق تلك المصلحة تظل رهينة بمدى قوة أو ضعف الدولة الداخلي وبدرجة التأثير المتبادل بين محيطها الداخلي و محيطها الخارجي على جميع المستويات بما في ذلك نسبة النمو المحقق و مستوى الاستقرار و السلم الاجتماعي و الحرص على السلم في محيطها ، بما معناه قيام علاقة جدلية واضحة بين المحيطين ، و هكذا تتأثر السياسة الخارجية للدولة بمجمل هذه العوامل ، فدرجة قوة الدولة في مدلولها الشامل يعتبر الفاعل الاساسي في رسم حدود سياستها الخارجية.

ان القرارات التي أعلنت عنها مؤخرا مجموعة ” البريكس” و نحت الى رفض قبول طلب ترشح الجزائر لهذه المجموعة التي راهنت عليها لتحقيق مطامح سياستها التوسعية و العدوانية في مواجهة بلدنا و انفقت مبالغ طائلة بسخاء في هذا السبيل تثبت بجلاء صحة القاعدة المذكورة التي تحكم العلاقات بين الدول ، سيما و ان سياسات تلك الدولة ، اتسمت في محيطها الاقليمي ،بانعدام المنطق و الواقعية و انكارها للتاريخ المشترك بل و الادهى و الاخطر جموح النظام الجزائري الى لعب دور وريث المستعمر في تقسيم المغرب بغرض فرض هيمنتها على المنطقة المغاربية مستفيدة في ذات الوقت من الاقتطاع لجزء هام من الصحراء الشرقية المغربية.

فالقرارات المتخذة اخيرا في قمة مجموعة “دول البريكس ” بخصوص طلب ترشح الجزائر الذي طالما هللت له الاخيرة عبر اعلى مستويات الدولة و ما سعت اليه لدعم ترشحها الذي كانت من اول الدول المتقدمة به ، عبر مختلف الوسائل ، بما في ذلك عبر شراء اسهم بمليار ونصف مليار دولار داخل بنك “بریکس” الذي يفوق راسمال البنك الدولي ، كما كشف عنه الرئيس الجزائري خلال زيارته لبكين التى قام بها لدعم هذا الطلب و زيارته لروسيا بالتوازي مع العمل الدبلوماسي المكثف الذي بدلته الدولة الجزائرية مع الدول المؤسسة لمجموعة ” البريكس ” كلها قرارات كشفت عن ضعف الاقتصاد الجزائري و وهن الأداء السياسي للنظام الجزائري.

إن الضربة الموجعة الموجهة للجزائر التى عبرت عنها المجموعة المذكورة کشفت ، ومن جديد ، و أمام انظار العالم الذي كان يتابع مجريات قمة دول ” البريكس ” مدى ضعف الدولة الجزائرية الداخلي متمثلا في تخلف الاقتصاد الجزائري الذي يتعيش فقط على البترول و الغاز بنسبة تقرب من 98 % الامر الذي جعله يعاني من تقلبات اسعار برميل النفط ، رغم سعي الجزائر مؤخرا الى تنويع الصادرات خارج المحروقات من 2% الى 11% سنة 2022 اي ما يعادل 7 مليارات دولار دون ان يتوفر على أية قيمة مضافة ، معتمدا على أساليب اقتصاد الريع بدلا من تنويع الاقتصاد ومصادر الدخل ، و امتلاك الخبرة و الكفاءة العلمية لتسيير المشاريع.

و الخلل الهيكلي الثاني يتعلق بحجم الاقتصاد الذي بلغ نحو 192 مليار دولار في 2022 حسب البنك الدولي و ربط الاعلان عن الناتج الداخلي الخام ب ” اعتماد الرقمنة ” دون احتساب “السوق الموازية ” التي تمثل نحو 40% من الاقتصاد الجزائري ، وفق تقرير امريكي، ناهيك ان هذا الاقتصاد يعرف نموا ضعيفا لا يتجاوز 4% بخلاف الاقتصاد الاثيوبي ، على سبيل المثال ، الذي يعرف نموا اقتصاديا قويا ، و هي عوامل اقتصادية و وازنة و مؤثرة للغاية في دراسة ملف الترشيح لا علاقة لها بالبروباغاندا ، او الخطاب الايدولوجي العقيم الذي تسوقه الجزائر و الذي ثبت انه مجرد اسطوانة مشروخة يستعملها دون جدوى لمحاربة المغرب و عرقلة تحقيق وحدته الترابية الذي حقق ، و مع ذلك ، انجازات سياسية هامة في هذا الشأن سيما بعد اعتراف دولة عظمى كالولايات المتحدة الامريكية بمغربية صحراته.

نا ھیک أن الجزائر و في نظر العديد من المحللين السياسيين تراجعت أهميتها السياسة في السنين الأخيرة.

ان الدرس العقلاني المنتظر من قادة النظام الجزائري ، في هذه الظروف ، هو استخلاص العبر من هذه الصفعة القاسية التي تلقاها من تكثل دولي سيزداد قوة و تاثيرا في صياغة عالم متعدد الاقطاب يتجاوز الهيمنة الغربية و الاعتراف بفشلهم الذريع في بناء اقتصاد وطني قوي ترفرف في اجوائه قواعد المنافسة الحرة و يخضع لقانون السوق و يعترف بحقوق المستهلك وفق توجهات القوانين الحديثة ، مع تسريع وتيرة الاصلاحات العميقة على قوانين الاعمال و الابتعاد عن ثقل رتابة البيروقراطية التي تقاوم معية العسكريتاريا الحاكمة في تحقيق تحول اقتصادي الى اقتصاد منفتح للسوق و نهج مراجعة جدية لمرتكزات السياسة الخارجية للدولة الجزائرية في مواجهة المغرب و منطقة المغرب العربي عموما.

لعل تلك العبارات المقتضبة و السديدة التي وردت على لسان الوزير ” لابروف ” كافية في الدلالة على ان المعيار الاهم الذي حدد قبول الدول في مجموعة “بريكس ” هو ” هيبة الدولة و وزنها السياسي و بطبيعة الحال مواقفها على الساحة الدولية ” و هو ما يلتقي مع الطروحات التي اوردناها سابقا القائلة ان مدخل القوة الداخلية للدولة يفسر شكل وزنها الخارجي (السياسي ) و هو ما تفتقده الجزائر بسبب ضعف اقتصادها و وهنه المشهود به عالميا ، من جهة ، و انسياقها في سلوك سياسات متصادمة تنهجها لتحقيق مصالحها الوطنية الضيقة على حساب نمو و ازدهار التكتل المغاربي بدلا من سياسات عقلانية اي سياسات متكاملة تنطلق من مقومات الاتفاق الواقعي بين دول المغرب العربي الذي يضرب في عمق التاريخ المشترك لهذه الدول، من جهة أخرى.

و هكذا يتم الانتقال من مرحلة المصالح الوطنية المتضاربة السائدة في سياسات النظام الجزائري الى مرحلة المصالح المتكاملة والمشتركة لجميع الدول المغاربية.

ان التاريخ الحي للعلاقات الدولية يثبت ان الازمات بين الدول لا تدوم ابد الدهر بل يمكن تسويتها و حلها ، الامر الذي سيكون حافزا قويا و منطلقا وجيها لإنضمام دول المغرب العربي ككتلة اقتصادية لمجموعة “البريكس ” حتى تستفيد من فرصه الكبيرة و الواعدة قصد تحقيق نسبة نمو اعلى يقطف ثمارها مواطنوا هذه الدول.

عبد اللطيف مشبال
← الرجوع إلى جميع المقالات